كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



كما بيّن للناس ما فرضه عليهم في أزواجهم في غير هذا الموضع.
ولو تمشينا معهم إلى آخر الآية لما استطعنا أن نمشي في الواهبات أنفسهن، فقد نصوا على أنّ الصحيح أنه لم يكن فيمن كان تحته من النساء من وهبت نفسها، قال أبو بكر ابن العربي: وروي عن ابن عباس ومجاهد أنهما قالا: لم يكن عند النبي صلّى اللّه عليه وسلّم امرأة موهوبة. وقد بيّنا الحديث الصحيح في مجيء المرأة إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ووقوفها عليه، وهبتها نفسها له من طريق سهل وغيره في الصحاح وهو القدر الذي ثبت سنده وصحّ نقله. والذي يتحقق أنها لما قالت للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم: وهبت نفسي لك، فسكت عنها، حتى قام رجل فقال: زوجنيها يا رسول اللّه، إن لم تكن لك بها حاجة. إلخ القصة انتهى ما أردنا نقله عن ابن العربي.
وإلى هنا يتضح أنّ المراد بالإحلال: الإذن العام، والتوسعة في الزواج من هذه الأصناف، والإباحة له في أن يختار منهنّ من تقتضي الحكمة الزواج منها.
ولعلك بهذا الذي ذكرنا تستغني عن الكلام في تفسير الآية من جديد. فهو أن هناك أشياء تكلّم فيها المفسرون، لا نرى بأسا من التعرض لها قبل الكلام فيما ذكروا من أحكام، قالوا إنها تتصل بالآية:
فقد عرض المفسرون للحكمة في إفراد العم والخال، وجمع العمة والخالة.
- كما تكلموا عن الشرط الثاني {إنْ أَرادَ النَّبيُّ أَنْ يَسْتَنْكحَها} هل هو شرط في الشرط الأول، أو في مشروط الشرط الأول: وهو الإحلال.
- ولقد تكلموا في قوله تعالى: {خالصَةً} فقالوا: هل يرجع إلى المرأة المؤمنة، أو لما قبله جميعا، وسنذكر هذا على الترتيب فنقول:
قال المفسرون: إن المراد من بنات العم والعمة: القرشيات، فإنّه يقال للقرشيين قربوا أن بعدوا أعمامه عليه الصلاة والسلام، ويقال للقرشيات قربن أم بعدن عماته.
والمراد من بنات الخال والخالة البنات من بني زهرة. إطلاق العم والعمة:
على أقارب الشخص من جهة أبيه، والخالة والخال على الأقارب من جهة الأم، أمر جرى به العرف.
وقد كان تحت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ست من القرشيات، ولم تكن تحته زهرية قط. وذلك يرشد إلى أنّ المراد من الإحلال الإذن في العقد على هؤلاء، دون أن يستدعي وقوعه.
وإذا حمل العم والعمة على ما هو المعروف، وكذا الخال والخالة كان الإحلال أيضا مراد منه ذلك. لأنّه لم يكن من بنات أعمامه تحته أحد، وكذا من بنات خؤولته، ولم يكن من بنات عمته معه إلا زينب بنت جحش.
ثم قالوا في الحكمة في إفراد العم والخال وجمع العمة والخالة كلاما كثيرا، بل إنّ من العلماء من ألف في ذلك كتابا برأسه، فمنهم من زعم أن العم والخال لم يجمعا لوقوعهما على وزن المصدر، وهو لا يجمع.
وقيل: بل إن عدم الجمع في العم والخال جاء على الأصل من إرادة العموم عند الإضافة، وأما العمة والخالة وإن كانتا مضافين فجمعا لمكان تاء الوحدة فيهما، وهي تأبى العموم في الظاهر وجمع الكل في سورة النور في قوله تعالى: {أَوْ بُيُوت أَعْمامكُمْ أَوْ بُيُوت} [النور: 61] لا يسأل عن علته، لمجيئه على الأصل في نسق واحد.
ويرى بعضهم أنّ الخطاب لما كان للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم، ولم يكن له إلا عمّ واحد تحل بناته له، وهو أبو طالب، أما حمزة والعباس فقد كانا أخويه من الرضاعة، فقد أفرد العم من أجل ذلك، وجمعت العمات لأنهنّ كثيرات.
ويرى البعض أن الذي جرى هنا من الإفراد في العم جرى على نحو مألوف العرب، فإنك لا تكاد تجد في كلام العرب العم مضافا إليه الابن أو البنت مفردين أو مجموعين إلا مفردا، كما قيل:
إن بني عمك فيهم رماح

وكما قيل:
قالت بنات العمّ يا سلمى

وجاء الكلام في الخال والخالة على مثاله، وفي هذا القدر كفاية.
وأما الشرطان في قوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَها للنَّبيّ إنْ أَرادَ النَّبيُّ أَنْ يَسْتَنْكحَها} فقد قالوا: إنّ الشرط الثاني شرط في الأول، فتكون هبة المرأة نفسها لا تستلزم الحل إلّا إذا وجدت إرادة الاستنكاح، ويقولون: إنّ هذه الإرادة تكون جارية مجرى القبول، وإذا كانت السين والتاء للطلب، فتكون الإرادة بمعنى الرغبة التي تسبق العقد، ثم الهبة والاستنكاح يكون بعد.
ثم إنّهم يقرّرون هنا قاعدة حاصلها: أنّه إذا اجتمع شرطان فالثاني شرط في الأول متأخر عنه في اللفظ متقدم عليه في الوجود، وهذه القاعدة لو سلمت لهم لكان ذلك مخلّا بتفسير الإرادة بالقبول، لأن القبول لا يكون إلا بعد الإيجاب، وعلى ذلك يلزم أن يقال: إن القاعدة أغلبية، وأن الآية جرت على خلاف الغالب، ولكن من أين لهم هذه القاعدة؟ وما الذي يضرّ لو أنّ مجموع الشرطين جعلا قيدين في الإحلال، سبق الثاني في الوجود أو تأخر، خصوصا وقد ذهب إلى هذا الذي نقول طائفة كبيرة من العلماء في مقدمتهم إمام الحرمين.
ونحب أن نقول: إنّ أكثر العلماء على أنّ الهبة وقعت من كثير من النساء، وقد وردت روايات كثيرة في أشخاص الواهبات. غير أنّهم مع ذلك يصحّحون أنّه لم يكن تحته صلّى اللّه عليه وسلّم امرأة وهبت نفسها.
وقد أخرج ابن سعد أنّ ليلى بنت الحطيم وهبت نفسها للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم، ووهب نساء أنفسهنّ، فلم نسمع أنّ النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قبل منهن أحدا.
وقد روى ابن جرير وغيره عن ابن عباس أنه قال: لم يكن عند النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم امرأة وهبت نفسها.
وأما قوله تعالى: {خالصَةً لَكَ منْ دُون الْمُؤْمنينَ} فقد ذهب بعضهم إلى أن {خالصة} منصوب على المصدرية. وقد جاء المصدر على هذا الوزن كثيرا: كالعافية، والكاذبة. ثم هو يرجع إلى إحلال الواهبة، أي أحللنا لك الواهبة يخلص لك ذلك خلوصا. وذهب بعضهم إلى أن {خالصة} حال من امرأة، أي أحللنا لك امرأة وهبت نفسها حال كونها خالصة لك، لا تحل لأحد بعدك.
ويرى البعض أنه راجع إلى جميع المحللات، والمعنى أحللنا لك كلّ ما تقدم على أن تختص بهن، لا يكون لأحد بعدك أن ينكحهن.
وأما قوله تعالى: {قَدْ عَلمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهمْ في أَزْواجهمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ} فهو جملة اعتراضية جيء بها لتوكيد مضمون الجملة قبلها. والمعنى: أن ما ذكرناه حكمك مع نسائك، وأما حكم أمتك مع نسائهم، فعندنا علمه، نبينه لهم على حسب ما تقضي به الحكمة والمصلحة في شأنهم.
واحتيج إلى هذا هنا حتى لا يظنّ أنّ ما جاز للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم في أزواجه من الشؤون يجوز لأمته، وقد كان للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم في النكاح وفي التسري خصائص ليست لغيره، فهو يزيد في النساء إلى التسع، وغيره لا يباح له الزيادة على الأربع، واختص النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بنكاح الواهبات دون الناس.
والذي فرضه اللّه على الناس في أزواجهم ألا يجاوزوا أربعا من النساء، والولي، والشهود، والمهر، والنفقة، والكسوة، على ما في بعض ذلك من خلاف بين الفقهاء.
وضّحته كتب الفروع، إلى غير ذلك مما فرض اللّه للناس في شأن الأزواج والمملوكات، مما اقتضت الحكمة الإلهية أن يكون غير شأن النبي في النساء، وما علم اللّه أن فيه صلاح العباد في هذا الشأن أيضا.
{لكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} قيل متعلّق بأحللنا، وهو راجع إلى جميع ما ذكر.
والمعنى: أحللنا لك من آتيت أجورهنّ من النساء والمملوكات والأقارب والواهبة لندفع عنك الحرج الذي يلحقك فتتفرّغ لتبليغ الرسالة.
وقيل: هو متعلق بخالصة، أو بعاملها، أي خصصناك بنكاح من وهبت نفسها لك، لكيلا يكون عليك حرج، فلا تبحث عن مهر، ولا تسعى في تدبيره.
ويروي بعض المحققين أنه متعلق بمحذوف، أي بينا هذا البيان حتى تخرج من الحرج، ومما يظن الناس تأثيمك فيه، ومتى علموا أنّك تصدر في الذي تفعل عن وحي ربك اندفع الذي ظنوا، وكفيت الاعتراض والتأثيم.
{وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحيمًا} يغفر للناس ما لا يمكنهم التحرز عنه، رحيما بهم، يدفع عنهم الحرج والعنت الأحكام أحلّ اللّه تعالى لنبيه توسعة عليه، وتيسيرا له في نشر الرسالة، صنوفا من النساء، صنفا يدفع له المهر، وصنفا يتمتع به بملك اليمين، وصنفا من أقاربه، وصنفا رابعا ينكحه دون مهر، بعد أن تهب المرأة نفسها للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم ويتم القبول، وهذا خاصّ بالنبي صلّى اللّه عليه وسلّم يجوز له، ولا يجوز لأحد من المؤمنين.
ذلك هو محصول الآية الكريمة على ما رجّحه العلماء من جعل الخصوصية في نكاح الهبة، وإن اختلفوا في مرجح الخصوصية في هذا النكاح على ما يأتي بيانه.
وقد أراد الكرخي أن يأخذ من تسميته المهر أجرا في قوله تعالى: {آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} حجة في عقد النكاح بلفظ الإجارة، ولم يتابعه سائر الحنفية في هذا الذي ذهب إليه. ولعلّ مستند الكرخي في هذا أنّ اللّه قد سمّى المهر أجرا، والأجر يجب بعقد يتحقّق بلفظ الإجارة، فيصح النكاح بلفظ الإجارة.
وليس هذا يصح مستندا، فالحنفية وهم الذين يقولون: إنّ العبرة في العقود للمعاني، يقولون: إنّ معنى الإجارة يتنافى مع عقد النكاح، إذ النكاح مبني على الإطلاق، والتوقيت يبطله، وعقد الإجارة مبني على التوقيت، حتى لو أطلق المتعاقدان العقد عن التوقيت كان مؤقتا، ويتجدد العقد ساعة فساعة، فكيف يصحّ جعل ما هو موضوع للتوقيت دالا على ما يبطله التوقيت.
وشيء آخر: وهو أنّ الإجارة عقد على المنافع بعوض. وبعبارة أخرى هي تمليك المنافع بعوض.
ويقول الحنفية وقد فرّعوا الفروع على ما قالوا: إنّ النكاح ليس عقد تمليك، وإنما هو استباحة، وهما مختلفان في الآثار.
وفرق آخر: هو أنّ الحنفية يصرّحون بأنّ المهر في النكاح ليس عوضا، وإنما هو عطية أوجبها اللّه تعالى إظهارا لخطر المحل، ولذلك صحّ النكاح مع النص فيه على ترك المهر، ويجب مهر المثل بالدخول، ولو كان عوضا لما صح تركه، فضلا عن النص عن الإسقاط، ولو سلّم أن النكاح يقتضي التمليك فلا يصح أن يعقد بلفظ الإجارة، حتى لا يلتبس الأمر بعقد المتعة الباطل، وما ينشأ اللبس إلا من لفظ الإجارة الدالّ على التوقيت.
وما كانت تسمية المهر أجرا لتستلزم هذا الذي ذهب إليه الكرخي، وقد بينا لك فيما تقدم المسوّغ لهذا، وهو ما يبدو من شبه بين الأجر والمهر، والمسألة في هذا سهلة، فالحنفية كلهم على غير ما يرى الكرخي.
ومما جرى الخلاف فيه بين الفقهاء عقد النكاح بلفظ الهبة لغير النبي صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال أبو حنيفة، وأبو يوسف، وزفر، ومحمد، والثوري، والحسن بن صالح: يجوز، ولها ما سمّى في العقد. ومهر المثل إن لم يسمّ شيء.
وروى ابن القاسم عن مالك أنّ الهبة لا تحل بعد النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إن كانت هبة نكاح، وقال الشافعي رضي اللّه عنه: لا يصحّ النكاح بلفظ الهبة.
وخلاف الفقهاء تابع لنزاع العلماء في معنى قوله تعالى: {خالصَةً لَكَ منْ دُون الْمُؤْمنينَ} فذهب جماعة إلى أن الخصوصية والخلوص الوارد في الآية هو خلوص عقد النكاح بلفظ الهبة للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم ألا ترى كيف قال اللّه تعالى: {لَكَ منْ دُون الْمُؤْمنينَ} وكيف قال: {إنْ أَرادَ النَّبيُّ أَنْ يَسْتَنْكحَها} وقبل ذلك: {إنْ وَهَبَتْ نَفْسَها للنَّبيّ} وفي جميع ذلك من الإشارة ما يدلّ على أن إحلال المرأة من طريق الهبة كان خاصا بالنبي صلّى اللّه عليه وسلّم.
وذهب آخرون إلى الخلوص والخصوصية الواردة في الآية كان في نكاح الواهبة بغير مهر. أما عقد النكاح بلفظ الهبة فكان جائزا للنبي وأمته معه، لا خصوصية فيه، وهو مروي عن مجاهد، وسعيد بن المسيب، وعطاء، وزعم الذاهبون إليه أنّ الآية تدلّ عليه، وذلك أنّ اللّه تعالى يقول: {وَامْرَأَةً مُؤْمنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَها للنَّبيّ إنْ أَرادَ النَّبيُّ أَنْ يَسْتَنْكحَها خالصَةً لَكَ منْ دُون الْمُؤْمنينَ} جعل اللّه العقد خالصا للنبي، وأضاف لفظ الهبة إلى المرأة، وأضاف إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إرادة الاستنكاح، فدلت المخالفة بين الجانبين على أنّ المراد مدلول اللفظ الذي فيه جانب المرأة، وهو ما يدل عليه لفظ الهبة من ترك العوض.
وأيضا فلو كانت الخصوصية راجعة للفظ الهبة لجاء في اللفظ الذي يكون في جانبه، أما خصوصية أن يكون عقده بلفظ الهبة من جانب المرأة دون أن يكون فيه إسقاط العوض فيكاد يكون غير مقبول.
ووجه آخر هو أن اللّه تعالى قال بعد ذلك: {لكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} وذلك يشير ظاهرا إلى أن الخصوصية دفعت حرجا. وقصر النكاح على لفظ النكاح أو التزويج لا حرج فيه، إنما الحرج يكون في إلزام المهر، لأن ذلك يلزمه مشقة السعي في التحصيل، وهو مشغول بشؤون الرسالة، ويرجّح هذا الذي نقوله قول اللّه تعالى في أول الآية: آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ حيث يكون إحلال الهبة مقابلا له، فيكون المعنى أحللنا لك الممهورات وغير الممهورات.
ثم هم يسوقون في ذلك حديثا رواه عبد اللّه بن أحمد بن حنبل عن أبيه، عن محمد بن بشر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها كانت تعيّر النساء اللاتي وهبن أنفسهنّ للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم، قالت: ألا تستحي أن تعرض نفسها بغير صداق؟ أنزل اللّه عزّ وجلّ: تُرْجي مَنْ تَشاءُ منْهُنَّ وَتُؤْوي إلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَن ابْتَغَيْتَ ممَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ قالت: إني أرى ربّك عزّ وجلّ يسارع لك في هواك.
ويقولون بعد ذلك أنه قد ورد أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عقد على امرأة بلفظ التمليك لرجل على ما معه من القرآن، فقال: «ملكتكها بما معك من القرآن»، وذلك يدل على صحة عقد النكاح بلفظ يدل على التمليك، ولفظ الهبة يدل على التمليك، فصح عقد النكاح به.
ذلك مجمل ما يقال في الاستدلال للمجيزين على ما ذهبوا إليه، وما نراه يدل لهم.
وإنا لنسألهم: أين وجدتم في الآية أنّ النكاح كان دون مهر؟ أليس في لفظ الهبة؟ فكيف يكون ما يدل عليه اللفظ خاصا به صلّى اللّه عليه وسلّم، وليس شيء يدل عليه إلا اللفظ ومع ذلك فأنتم لا تقولون بجواز عقد النكاح بلفظ الهبة مع بقاء معناه، وهو ترك العوض. والذي في الآية ترك العوض مدلولا عليه بلفظ الهبة.
فمن أين لكم الخصوصية في المعنى دون اللفظ؟ ومن أين لكم أنه يجوز عقد النكاح لغير النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بلفظ الهبة مع إيجاب المهر؟ فإن كنتم تريدون أنّ عقد النكاح بلفظ الهبة يصحّ من النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ومن غيره، وتريدون أن تأخذوه من الآية فخذوا جواز ذلك للناس جميعا بكل ما دلّ عليه، وهو العقد بلفظ الهبة من غير مهر.
أما أن تقولوا: إنّ العقد بلفظ الهبة جائز للناس جميعا ويجب المهر، فهو الذي لا نجد لكم سندا فيه.
وكيف يكون السند، واللّه تعالى يقول: خالصَةً لَكَ منْ دُون الْمُؤْمنينَ ولا يمكن رجوع الخصوصية للمعنى إلا بعد أن يكون مستفادا من اللفظ، مدلولا عليه به، ولو أسقط لفظ الهبة من العقد استبعد إسقاط المهر، فالحقّ أنّ الخصوصية راجعة إلى ما كان من عقد النكاح بلفظ الهبة، مع ما يحمل من المعنى، وهو تمليك البضع بغير عوض.